مسلسلات رمضان

طفل الجدي

يبدو مظهر طفل الجدي عند الولادة وكأنه عجوز، ومن ثم يسترجع ببطئ حيوية الطفولة ورونقها حتى يُصبح بعد عدة سنوات في وضع ممتاز يحسده عليه أطفال الأبراج الأخرى، ويعيد البعض السبب في هذا النمو الخلفي الذي لا يتوافق مع التطور الطبيعي للانسان، على أنه اشارة واضحة لتاريخ ولادة الجدي بحيث يقع ما بين "احتضار سنة راحلة وولادة أخرى جديدة".

إن هذا الطفل من بداياته رزين، قوي العزيمة، مُكتمل الفهم، حاد النظرات لدرجة تصيب الكثيرون وأولهم والدته بالارتباك والتوتر، لاعتـقادهم أنه هو الرجل البالغ وهم الأطفال، ويتمتع هذا الطفل من بداياته بذوق رفيع يُدافع عنه، كما يتميزلطفل الجدي بامتلاكه لأسلوب هادئ لا يوجد فيه أي أثر للعنف أو المشاكل أو حتى الصراخ أو أي وسيلة أخرى من وسائل الطفولة بشكل عام، ولهذا الطفل العجيب العديد من الأهداف والأحلام الواقعية التي يمكنه تحقيقها دون أدنى شك، وذلك بفضل قدراته التـنظيمية، وسيره وفق عادات روتينية مُحددة، وبما أنه مختلف عن الأطفال الاخرين في نواح كثيرة يحرمه هذا من الصداقات، فليس لديه سوى صديق أو اثـنين على الأكثر، الا انه يعوض هذا الحرمان بانشاء علاقـة ثابتة بأفراد عائلته، وبحياة بيتية لا يستبدلها بأي شيء آخر.

يكون طفل برج الجدي في المدرسة قليل الذكاء نسبيّـاً، منطوياً على ذاته، وعنيداً بعض الشيء، بالرغم من ذلك ينجح في الدراسة، بل ويتـفوق أيضا على الكثيرين، ويعود ذلك الى مثابرته واجتهاده، وعدم لهوه باللعب مع الاخرين، وبالرغم من كونه قليل الاختلاط لكنه ينجح بالوصول إلى مركز السلطة والقيادة بين زملائه الذين يشعرون نحوه بالحب والاحترام، الا أنه يُتهم في بعض الأحيان بالظلم والتعسّـف، وذلك بسبب تحكمّـه بالأشخاص الذين هم أضعف منه، لكنه بالمقابل لا يتردد في اتباع من هو أقوى منه، وأعلى مركزا، ومن دون أن يتخلى ولو قليلا عن حقوقه التي يدرك جيدا كيف ومتى يستردها.

هذا الطفل لا يقبل إهمال واجباته ومسؤولياته من أجل اللهو أو اللعب، الا أن ذلك لا يمنعه من تعبئة فراغه بالصورة التي يرغب بها، بالواقع إنّ أساليب التسلية لديه مختلفة عما هو مألوف ومعتاد لدى الأطفال، فأفضل لعبة يلعبها هي محاكاة وتقـليد الكبار بشكل عام، وأحد والديه خصوصا، مثلا ً تـرتدي الطفلة من برج الجدي ملابس والدتها وتـتبرج مثـلها، وتقلد دورها كأم وربة بيت، بحيث تستعمل الألعاب وتضعهم مكان الأطفال الحقيقييـن، أما الطفل فيُقلد دور الطبيب أو دور المحامي أو حتى الأستاذ بنفس طريقة والده، بحيث يحلم لنفسه بمستقبل مشابه، هذا بالنسبة لمراحل الطفولة الأولى، لكن في المراحل التي تليها، يُظهر الطفل الجدي اهتماما بأفراد الجنس الآخر، الا أنه لا يستطيع منع نفسه من التوتر، والارتباك، والخجل عند مواجهتهم ، تلك الظاهرة كافية لجعل مرحلة المراهقة أمراً شاقاً عليه، خاصة اذا لم تـُرافقها اهتمام ورعاية الأهل، ودعمهم له.


بالرغم من بعض الطباع التي لا يمكن بنائها ببساطة في طبيعة هذا الطفل، يُمكننا القول أنه بشكل عام طفل دمث الأخلاق، مهذب، قليل التبذير، واقعي في أحلامه، يستحق ثـقة أهله ومعلميه وأصدقائه فيه، إنّ وجوده يحمل متعة حقيقية ونعمة كبيرة لا يقدرها إلا من يُرزق بطفل مثله.